أحبائي أعود إليكم من جديد
وكلّي أمل في أن ينال هذا الموضوع اهتمامكم وإعجابكم..
وأعتذر سلفاً إن كان هذا الموضوع طويل..
والآن أتمنى للجميع الاستفادة والمتعة..
أوشو osho
=========
يقول أوشو:
"رسالتي لك ليست معتقداً أو ديناً تعتنقه، ولا هي فكر فلسفي تتبعه. إنها نوع من خيمياء الإنسان... إنها علم للتحول، لذا فلن يستدعيها إلا أولئك الراغبون في ملاقاة الموت على أمل ولادة جديدة، أولئك الشجعان الذين هم على استعداد للإصغاء رغم معرفتهم بما لهذه التجربة من خطورة".
"الإصغاء هو الخطوة الأولى على طريق الولادة الجديدة، إذن هذه ليس فلسفة أو معطفاً ترتديه وتتفاخر به وليس معتقداً تعتنقه يعطيك أجوبة على أسئلة مقلقة تؤرق حياتك... إنه أبعد من ذلك بكثير، إنه ليس أقل من الموت والانبعاث".
"أنا لا أنتمي إلى فكر ديني معين، أنا بداية وعي جديد للإنسان ".
هذا الحكيم أو المعلم -كما يسمّونه- لديه آلاف الكتب والمقالات، أكثر من 13 ألف ساعة مسجلة، وقد أجاب على أكثر من 100 ألف سؤال...
يقول في إحدى مقالاته: ((أنا لا أدعوك إلى أن تصبح هندوسياً أو يهودياً أن تصبح مسلماً أو أن تصبح مسيحياً، أنا هنا لأساعدك لتصبح متديناً تقياً))...وعُرف عنه إصراره بعدم رغبته أن يوضع له اسم أو توصيف فكري معين، انطلاقاً من إيمانه أنه لا توجد فلسفة تصف الحقيقة بشكل مطلق.
وفي إحدى محاضراته تحدث عن نفسه قائلاً:
"أنا أساعدك في إدراك السكينة بروحك، هذه ليست تعاليم ولا عقيدة ولا حتى قانون ديني محدد. لهذا أستطيع أن أقول أي شيء، أستطيع أن أناقض نفسي في الليلة مئات المرات".
"إنني في حالة صعبة جداً، فمنذ اليوم الذي دخل فيه حبُ الله فيّ، اختفَت الكراهية في داخلي.. لذلك حتى لو أردتُ أن أكره فلن أستطيع...ليس لدي أي خيار آخر –لأنني قبل أن أستطيع أن أكره، أحتاج إلى وجود الكراهية في داخلي،..
من المستحيل أن يتعايش الحب مع الكراهية في نفس القلب. إنهما متناقضان تماماً.. مثل تناقض الحياة والموت.. الحب والكراهية لا يمكن أن يتواجدا في نفس القلب أبداً.."
ويمثّل أوشو ظاهرة فريدة في مرجعيته الروحية، إذ بالرغم من كونه قد نشأ في مجتمع هندي يدين بمختلف الأديان إلا أنه جمع كل الأديان والمعتقدات بخلاصتها الروحية في تعاليمه، فلا تخلو نصوصه من الرجوع إلى إرث الصوفيين بما فيهم ابن الرومي وابن عربي، كما يعود إلى روحانية السيد المسيح و إلى بوذا وكريشنا وفلسفة الموحدين.
غالباً ما يتم تعريف أوشو بالقول بأنه: لم يولد أبداً، ولم يمت أبداً ولكنه زار هذه الأرض "ما بين 11 ديسمبر 1931 وحتى 19 يناير 1990". إنه المتصوف المستنير... وخلال ثلاثين عاماً أمضى وجوده فيها عبر المحاورات -تلك التي تذكرك بأيام الفلاسفة اليونانيين- ولقد ناقش أفكار الحكماء في العالم واستمر في محاولة طرح رؤية جديدة وحديثة حول كل الأشياء الخاصة والمحيطة بالإنسان. لقد ناقش معيداً الحياة إلى الأوبانيشاد، جوردجيف، كريشنا، بوذا، والزرادشيتة.. كما تحدث حول أفكار الهاسيدز والصوفية واليوغا والتانترا والتاو وغيرها... لقد جلب أطراف الحكمة التي راكمتها البشرية إلى بعضها البعض.
لقد حاول أوشو بتعاليمه أن يساعد الإنسان على تلمس طريقه في الزمن الحالي من سعي الفرد إلى معنى الحياة... وقد وضعت صحيفة سندي تايمز البريطانية أوشو كواحد من أهم مئة شخصية شكلت القرن العشرين. أما أوشو فإنه قدّم توجهاته بأنها محاولة للمساعدة في خلق مناخ لولادة نوعية جديدة من البشرية ترتقي بأرواحها وتدرك وجودها وروابطها في هذا الكون.
إن أوشو يسعى لأن يجمع بين الخيوط التي نسجت روحانية الشرق مع الفكر العلمي للغرب في الإنسان الحديث، وقد طور أوشو أساليب التأمل لتكون جزءاً من الحياة اليومية للإنسان هادفاً نحو الصفاء النفسي والروحي والخروج من تغاهات الحياة.
في الحادي عشر من كانون الأول ولد أوشو في "كوتشوادا مادهيا برادش في الهند". ومنذ بداية شبابه راح يبحث عن الحقيقة، انطلاقاً من تجاربه واختباراته أو من خلال ما حاول البعض أن يلقنه من معارف ومعلومات، وما أن بلغ الحادية والعشرين حتى اكتملت تجربته مع الحياة.
وبعد دراسة عميقة لسيكولوجيا الإنسان المعاصر ومنذ أواخر الستينيات من القرن الماضي شرع أوشو يطور تقنياته التأملية الديناميكية لمساعدة "الإنسان المعاصر المثقل بتفاهات التقاليد البالية، وهموم الحياة اليومية"، لمساعدته على اكتشاف ذاته من خلال التأمل والتحرر من الفرضيات والأفكار المسبقة، وتطهير النفس من رواسب المفاهيم البالية.
في بداية السبعينيات من القرن الماضي بدأ الغرب يتعرف على أفكار أوشو. عام 1974 وفي مدينة بونا الهندية تأسست حلقة فكرية حول أوشو، ومنذ ذلك التاريخ والزوار يقصدونه للاستماع إليه رغبة في التحول من عالم المادة إلى عالم الروح ، ولم يترك أوشو جانباً من جوانب الحياة إلا وتحدث عنه داعياً إلى تطوير الوعي عند الإنسان والارتقاء بالروح الإنسانية إلى ما هو أبعد من المفاهيم الثقافية السائدة، إلى التعرف على الحياة من خلال الممارسة اليومية واختبار مدى أهمية الذات الإنسانية.
أهمية حكمة أوشو أنه يخاطب الإنسان في جوهر كيانه، بلغة بسيطة عميقة صادقة ومفهومة، وفلسفته تصلح لكل زمان ومكان، ويتمتع بقدرة عجيبة على إضاءة الأعماق المظلمة للنفس البشرية حيث يعشش الخوف والقلق.
يوصلنا أوشو لحقيقة لا تستقيم الحياة بدونها وهي((علينا أن نُظهر وجهنا الحقيقي مهما كان الثمن،)) ويبيّن لنا بأمثلة عديدة أن الناس الذين يعيشون بأقنعة ويُظهرون عكس ما يضمرون، يصابون مع الزمن بانفصام داخلي، وتتدمر ثقتهم بأنفسهم تدريجياً... ولن يعرفوا معنى الهدوء والاستقرار الداخلي.
فالصدق مع الذات أولاً ومع الآخر ثانياً، هو أساس بناء علاقات صحيحة في مجتمع سليم...
لكن كيف يمكننا أن نعرف ذاتنا الحقيقية؟! يبين لنا أوشو أن عملية البحث عن الذات أشبه برحلة شاقة، "إذ يجب علينا إسقاط جميع الأفكار الموروثة عن أنفسنا، فالإنسان يجمع كل ما يقوله الناس عنه، ويجعل أقوالهم هويةً له..
إننا ننسى صفاتنا الأصيلة ووجهنا الحقيقي، ويصير هدفنا الحصول على إعجاب الناس وتقديرهم ورضاهم، وللأسف العالم الذي نعيش فيه ليس متحضّراً كما يدّعي، بل هو عالم بربري وبدائي يمجّد القوة التي غالباً ما تكون وحشية وظالمة ومنافقة...
باختصار يدفعنا أوشو للمجازفة...حيث يقول بإيمان:" جازف لتكون حقيقياً ". وكل الوقت الذي عشناه باستخدام الشخصية الزائفة هو انتحار بطيء نمارسه على أنفسنا.
في كتابه الذي يتناول فيه موضوع الذكاء والإبداع، يعرّف أوشو الإنسان الذكي بأنه الثائر، وبأنه الذي يمتلك القدرة على اكتشاف غير العادي في العادي.
ويقول إن جميع أنواع الإبداع هي حدسية، وبأن معظم الاكتشافات العظيمة تحققت بواسطة الحدس وليس الفكر.
ويخصّص أوشو عدة كتب حول أهمية التأمل في الحياة، ويعرّف التأمل بأنه القدرة على أن تكونَ سعيداً وأنتَ وحيد، سعيد بنفسك، كسعادة الطيور في تحليقها..
يحفّزنا أوشو دوماً على اكتشاف آفاق جديدة للحياة، تجعلنا نفهم العالم من حولنا وكيف نتعامل معه، فنحن في الواقع لدينا نظريات عن الحياة، لكننا لا نعيش عمق الحياة الحقيقية. ورؤوسنا مليئة بأفكار نعتقد أنها الحقيقة المطلقة، لكننا لا نفهم أن الحقائق نسبية...إن إنسان اليوم في حالة نفسية بائسة حقاً، معظم حواسه معطلة يعيش في حالة تجمّد، متشبث بعقائد جامدة تعيقه عن التواصل الحقيقي مع الناس، عقائد جامدة فارغة من الروح والحب، حتى حديث الناس مع بعضهم فارغ، إذ إننا نصغي لبعضنا بدافع التهذيب وليس إصغاءً حقيقياً، "الحقيقي إصغاء عقل لعقل وقلب لقلب"..
يساعدنا أوشو في كتبه القيمة على أن نترك أفكارنا البالية تتساقط كما يتساقط الورق اليابس عن أغصان الأشجار، يزيل الصدأ عن أفكارنا وأحاسيسنا، ويفتح مسامنا لنور الحقيقة...
يدلّنا على الأصالة الحقيقية الكامنة في نفوسنا، والتي ضيّعناها بسبب الضغوط الهائلة لهذا الزمن، وبسبب خوفنا من الحياة...
إننا نحتاج لترميم قوانا المُخدّرة بالخوف والقلق، والمشلولة بالإحباط، بل نحتاج لفلسفة صادقة وعميقة حقاً...إن نظرة أوشو تعيننا حقاً في التصدي للزمن المشحون بكل أنواع المشكلات والإحباطات، وخلق الفرح والأمل، إذ لا معنى للحياة بدونهما..
تدعو أفكار أوشو الإنسان إلى التجذّر في الوجود وفتح النوافذ على الوجود، بأن يذهب الإنسان إلى الله لا نتيجة للخوف، وإنما من خلال الحب. "المحبة" ليست مسيحية، ولا إسلامية، ولا هندوسية. وإذا كان القديس يوحنا يرى أن "الله محبة"، وإذا كان نبي جبران يعكس المقولةَ نفسَها في قوله: "لا تقل: الله في قلبي، ولكن قُلْ: أنا في قلب الله"، فإن أوشو يقول "الحب هو الله". وفي هذا اقتراب من مفهوم ابن عربي لـ"دين الحب": "الحب ديني وإيماني."
أحياناً، نجد أنفسنا منغمسين في شيء ما، وفي لحظة التذكر، نخرج من ذواتنا، نعيد تركيب أنفسنا، فتزدحم الأفكار في رؤوسنا فيقول أوشو: "انتقِ الأفضل منها، ستكون أمامك على شاشة الوجود ومن ثم تختفي، كن منتبهاً.. هناك فيها ما هو جيد وما هو عاطل، وإنْ كانت أو لم تكن طبيعية، فانظر إليها بعين العالم.. ذات يوم، فجأة، لن تراها ثانية، وفي هذا اليوم سيغمرك صمت لم تتعرف عليه من قبل، سيبقى إلى جانبك، سيكون معك كنفسك، إنه يحررك من عبودية الجسد.
والحياة، بمفهوم أوشو، هدية من الله تعالى ، كذلك الولادة والحب والموت هدايا، إذا عرفنا كيف نكون شاكرين لله. فكل شيء يتحول إلى هدية، الآخرون يفتقرون إلى الإحساس بالشكر، ومن الناس مَن يُدين الآخرين دائماً ويتذمرون ويطلبون المزيد والمزيد. بينما النوع الأول فقط، هو الذي يصبح ورعاً وشكوراً. على عكس الثاني الذي لا يستطيع ذلك، لأنهم إتّكاليّون ويظنون أن الله يجب عليه أن يلبي كل طلباتهم، ولذلك، يكفرون أحياناً.. إذا لم تُلبّى طلباتهم. وهؤلاء يشعرون دائماً أنهم مكبوتون، وأن كل ما يحدث باطل ومخادع. إذ لا شيء يلبي طلباتهم ورغباتهم، لا شيء يملأ قلوبهم بالرضى. دائماً تحدث الأمور الحسنة بعيداً عنهم، إنهم يعيشون في بؤس وشقاء لأنهم يحملون دائماً الشكوى والحقد ونكران الجميل،.. كيف يستطيعون الشعور بالامتنان؟ "إن لم يكن هناك صلاة وبدون الصلاة ليس هناك دين" هكذا هؤلاء.. ومصيرهم الضلال.
في الحقيقة، الصلاة ضرورية، الصلاة هي الصلة مع الكون... ليست مجرد أدعية وحركات مكررة بل هي شكر لله على ما أعطانا من نِعم الحياة، مهما كانت. إنه موقف يتضمن قول "نعم".. ولا يعرف الشك ولا الإرتياب أو التشاؤم أو السلبية.
العالَم مليء بالجمال والروعة إلى درجة أنه لا يمكنك إلا أن تبادله الفرح والغناء، إن الصلاة ـ هدية لنا فلنكون جديرين بها، نحن لا نستطيع أن نرد الجميل إلى الله إلا بها. فكل ما نستطيعه هو أن نشكر الله والألوهية، وبالشكر تدوم النعم.. فاجعل الصلاة الحقيقية دربك إلى قلبك وربك... كن شكوراً بكل الطرق الممكنة، ولا تتذمر أبداً، أسقط العقل الساخط.إن المسألة، فقط قضية قرار، وما إن تقرر أن تسقط التذمر، حتى تبدأ في إسقاط العادة القديمة، وينبغي ـ أيضاً ـ إسقاط حواجز الجسد، فنحن متماهون كثيراً بأجسادنا، نعتقد أننا أجساد، ونحن لسنا كذلك. هذه هي الفكرة الزائفة الأولى التي ينبغي إسقاطها. هذه الفكرة الزائفة تولد أفكاراً زائفة أخرى... إذا كان الواحد منا محدداً بالجسد فإنه سوف يكون خائفاً من الشيخوخة، المرض، الموت، هذا الخوف يخلق هاجس الالتصاق بالجسد. أنت الذي يدرك هذا الجسد، وأنت لستَ الفكر أيضاً.
ويعود أوشو ليقول:
"ابدأ أولاً بالعمل مع الجسد لأنه من السهل الابتداء مع كل ما هو محسوس، ثم تحول نحو الأرقى والألطف، انظر إلى الفكر باعتباره منفصلاً عن ذاتك، حتى تصبح واعياً أنك لست الجسد ولا الفكر. ستشعر بالحرية وأنك بلا قيود أو حواجز. لن يكون هناك جدران، سيكون هناك فقط المحيط المطلق في كل الاتجاهات. عندئذ ينبغي إسقاط الحاجز الأكثر شفافية. وهو المتعلق بالمشاعر".
أي علينا أولاً أن نتحرر من الجسد، ثم من الفكر، ثم من القلب، وحتى نكون متنورين علينا أن نتحرر من القلب أيضاً. عندما نعرف أننا لسنا الجسد ولسنا الفكر ولسنا القلب، سنعرف مباشرة مَن نحن، وما هو الوجود وما هي الحياة بكل معانيها، وسينكشف الستار مباشرة عن كل الأسرار. جميعنا هنا غرباء، هذا العالم ليس بيتنا، بيتنا في مكان آخر، نحن في أرض غريبة... أن نبقى خارج ذواتنا هو أن نبقى بلا منزل. وبرجوعنا إلى المنزل، نعود إلى داخلنا.....إذاً دعونا نكرس جهودنا كلها للعودة إلى الداخل... لا شيء أكثر قيمة من هذا التوجه وهذا "الحجّ"... لذا علينا المخاطرة والتضحية بكل شيء لأجله وما عداه كل شيء تافه بلا قيمة.
(نتعرّف ولا نعرف)
هناك فرق بين المعرفة والتعرّف. المعرفة هي معلومات وافية عن زمن مضى، بينما التعرف هو محاولة اكتساب معرفة جديدة، إنه عملية تحول متطور، لذا إن كنا فعلاً راغبين بالتعرف، علينا الاعتراف، أن كل شيء قابل للتغيير والتحول. حتى اللغات التي نكتب بها اليوم أو نحكيها، قطعت مراحل (تعرّف) كثيرة حتى وصلت إلى ما هو عليه اليوم. ولهذا انقرضت لغات، لأنها لم تتحول، فلا شيء في هذا الوجود ثابت، بل كل شيء في تحرك دائم. لذا، لا تقل "معرفة" بل "تعرّف" ولا تقل "الحب" بل "أنا عاشق ومعشوق في آن واحد".
المشكلة أننا تعودنا على ترداد الأشياء الجامدة فما نزال نقول "النهر" مع أنه جريان للمياه، وأنه ليس هو ذاته بين ثانية وأخرى. وكذلك الأشجار، ومع أنها تنمو كل لحظة وتتغير، تتساقط أوراقها وتعود تورق من جديد، إذاً، لا شيء ثابت في الوجود.
أيها الإنسان، كن مع الحياة، متحركاً ومتحولاً، ولا تكتفي بالنظر إلى ما يجري دونما اهتمام. بل بهدف التعرف على التحول الذي يصيب الأشياء ولا تكتفي بما عرفت. بل ثابر على اكتساب المعرفة. هكذا ترى الأشياء واضحة.
مهما عرفنا يبقى هناك الكثير من الأشياء والأمور التي عرفنا وتعرفنا عليها والتي لانعرفها بعد. ففي كل لحظة شيء جديد، عرفتُ شيئاً وغابت عني أشياء... حتى أنا الآن لستُ أنا بعد الانتهاء من كتابة هذه الكلمة. أقول "الكلمة" وليس "الكلمات" فالحياة مستمرة في التحول، ولا تتآلف مع الغموض. والله لا يحلّ إلا في قلوب أولئك القادرين على التحوّل والراغبين في التعرّف والتصرّف.
(كيف يتم اكتشاف المعرفة، الحقيقة، الحكمة؟)
إن ذلك يتم من خلال الوعي المنتبه، وليس من خلال مراكمة المعلومات، بل من خلال الذهاب إلى داخل عملية التحول. الوعي المنتبه هو تحول داخلي، لقد ولدتَ الآن من جديد.
بصورة اعتيادية، غالباً ما يتواجد المرء في حالة نائمة، وعيه المنتبه في أدنى درجاته، فقط، بنسبة واحد في المئة، أو بنسبة أقل من ذلك ولكن ذلك يكفيك لعملك اليومي، يكفيك لتكسب خبزك ولتوفر ملجأك وليكون لك أولاد وعائلة، يكفيك هذا الوعي الضئيل لتحقيق ذلك، ولكنه لا يكفيك لتحقيق ما هو أكثر من ذلك، تسع وتسعون في المئة من وجودك يبقى ظلاماً دامساً. لكن، كل ذلك الظلام يمكنك تغييره. بإمكان المرء أن يمتلئ بالنور. عندئذ، يتعرف على فن العيش، وعلى النشوة الهائلة للعيش والحياة.
منذ أن وجد الإنسان والعقل عاجز عن معرفة ماهية الحقيقة، إنه يعرف أشياء عنها، لكنه لا يعرفها بذاتها. أن تعرف شيئاً عن الحقيقة أمر مختلف عن معرفتها، قد تكون قادراً على التحدث عن الحب، من دون أن تعرف ما هو، وحتى أن تتعرف عليه، يجب أن تمر بتجربة الحب، يجب أن تكون عاشقاً. جمع المعلومات شيء، والوصول إلى الذات شيء آخر، بمقدروك حفظ ما قاله الفلاسفة وعلماء الدين، وكذلك نظريات وفرضيات العلوم. ولكن ليس بمقدورك الادعاء أنها أقوالك ونظرياتك وفرضياتك، لا أحد ينكر أنها تعينك على تعميق وعيك. وهنا يكمن الخطر، لأنها تجعلك مدعياً أنك تعرف كل شيء.
دائماً عليك معرفة الشيء ونقيضه، إنك حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء وعليك الاعتراف أنك جاهل لأمور كثيرة .. لماذا؟! حتى تبقى راغباً في حب الاستطلاع، في اكتساب المعرفة، حتى تبقى باحثاً عن الحقيقة، عن حقيقة المعرفة. وهكذا، تمضي حياتك باحثاً عن الحقيقة، عن حقيقة الوجود، باحثاً عن الوعي الكلي الشامل، بهدف الوصول إلى الحقيقة واختبارها.
الله معنا في كل لحظة، إنه الألوهية في قلوبنا النابضة، في رئتينا حين نتنفس لكن "المشكلة هي أننا ـ أحياناً ـ لسنا مع الله". نريده أن يكون معنا ولنا، في حين لا نحاول التقرّب منه.
حين نصبح مع الله، نعي أهمية الحياة، نعي أن علينا الإحساس بالشكر والامتنان ونعي أهمية وجودنا.
ليس بمقدورنا الاستيلاء على الحقيقة، بل أن نسعى إليها، أن تفتح قلبك لها، ولن يكون هذا إلا بالتأمل، إلا بالاستغراق في التفكر والتذكر... في كيفية جعل نفسك ممتلئة بالنعمة والبركة، أن تكون شاعرياً وليس عالماً، في أن تصلي من الأعماق وليس من الشفاه.
صلّي وكلك ثقة أن الله يستجيب لدعائك، وأنه سيكون معك إذا كنتَ معه... كن مصباحاً ينير ذاتك، قبل إنارة غيرك، فلا أحد بمقدوره إعطاءك المعرفة، وإن اعتقدت بهذا، فهذا يعني أنك لن تتعرف إلى المعرفة أبداً أبداً..
لماذا تبحث عن النور خارج ذاتك؟
الله أعطاك كل ما أنت بحاجة إليه، منحك النور الداخلي. وهو دائماً إلى جانبك ومعك ليساعدك على التمييز بين الخطأ والصواب، يغمرك بغبطته ورضاه. فلا تكن مثل أولئك المستلقين على قارعة الطريق بانتظار من يأخذهم معه، فهذا مضيعة للوقت وهدر للطاقة الكامنة فيك.
أنا لن أقول لك ما عليك فعله، ولا كيف يجب أن تفعل هذا أو ذاك.. بل أطلب إليك أن تكون أنت أنت لا أحد غيرك.
وأخيراً...
لماذا لا تجعل حياتك حديقة أزهار، متعددة الألوان والأنواع، وكل زهرة تسعى أن تعطي أكثر من الأخرى، إنه التنافس على العطاء. فلماذا لا نكون مثلها، نتنافس من أجل بلوغ التسامي.
كثيرون من البشر يعانون انقسامات وصراعات داخلية، يحتارون أي طريق يسلكون، لأنهم ليسوا كتلك الأزهار التي توحدت في سبيل العطاء. لن يشعر الإنسان أن حياته ليست مصادفة، بل هي مجموعات تخلّت عن أنانيتها ونذرت نفسها لفعل الخير.
لا نعمة ولا محبة، ولا سعادة، إلا بتوحد الذات الإنسانية مع ذاتها..مع الواحد الأحد..وذلك بتوحيدٍ داخلي للوصول إلى نعمة الله في كل حبة رمل وقطرة ماء...
أحبائي في حال نال هذا الموضوع اهتمامكم وإعجابكم
أعدكم بأن أقدم لكم في موضوع جديد بعض من أقوال وحكم هذا المعلم..
لكم مني جزيل الشكر
وإلى اللقاء..
وكلّي أمل في أن ينال هذا الموضوع اهتمامكم وإعجابكم..
وأعتذر سلفاً إن كان هذا الموضوع طويل..
والآن أتمنى للجميع الاستفادة والمتعة..
أوشو osho
=========
يقول أوشو:
"رسالتي لك ليست معتقداً أو ديناً تعتنقه، ولا هي فكر فلسفي تتبعه. إنها نوع من خيمياء الإنسان... إنها علم للتحول، لذا فلن يستدعيها إلا أولئك الراغبون في ملاقاة الموت على أمل ولادة جديدة، أولئك الشجعان الذين هم على استعداد للإصغاء رغم معرفتهم بما لهذه التجربة من خطورة".
"الإصغاء هو الخطوة الأولى على طريق الولادة الجديدة، إذن هذه ليس فلسفة أو معطفاً ترتديه وتتفاخر به وليس معتقداً تعتنقه يعطيك أجوبة على أسئلة مقلقة تؤرق حياتك... إنه أبعد من ذلك بكثير، إنه ليس أقل من الموت والانبعاث".
"أنا لا أنتمي إلى فكر ديني معين، أنا بداية وعي جديد للإنسان ".
هذا الحكيم أو المعلم -كما يسمّونه- لديه آلاف الكتب والمقالات، أكثر من 13 ألف ساعة مسجلة، وقد أجاب على أكثر من 100 ألف سؤال...
يقول في إحدى مقالاته: ((أنا لا أدعوك إلى أن تصبح هندوسياً أو يهودياً أن تصبح مسلماً أو أن تصبح مسيحياً، أنا هنا لأساعدك لتصبح متديناً تقياً))...وعُرف عنه إصراره بعدم رغبته أن يوضع له اسم أو توصيف فكري معين، انطلاقاً من إيمانه أنه لا توجد فلسفة تصف الحقيقة بشكل مطلق.
وفي إحدى محاضراته تحدث عن نفسه قائلاً:
"أنا أساعدك في إدراك السكينة بروحك، هذه ليست تعاليم ولا عقيدة ولا حتى قانون ديني محدد. لهذا أستطيع أن أقول أي شيء، أستطيع أن أناقض نفسي في الليلة مئات المرات".
"إنني في حالة صعبة جداً، فمنذ اليوم الذي دخل فيه حبُ الله فيّ، اختفَت الكراهية في داخلي.. لذلك حتى لو أردتُ أن أكره فلن أستطيع...ليس لدي أي خيار آخر –لأنني قبل أن أستطيع أن أكره، أحتاج إلى وجود الكراهية في داخلي،..
من المستحيل أن يتعايش الحب مع الكراهية في نفس القلب. إنهما متناقضان تماماً.. مثل تناقض الحياة والموت.. الحب والكراهية لا يمكن أن يتواجدا في نفس القلب أبداً.."
ويمثّل أوشو ظاهرة فريدة في مرجعيته الروحية، إذ بالرغم من كونه قد نشأ في مجتمع هندي يدين بمختلف الأديان إلا أنه جمع كل الأديان والمعتقدات بخلاصتها الروحية في تعاليمه، فلا تخلو نصوصه من الرجوع إلى إرث الصوفيين بما فيهم ابن الرومي وابن عربي، كما يعود إلى روحانية السيد المسيح و إلى بوذا وكريشنا وفلسفة الموحدين.
غالباً ما يتم تعريف أوشو بالقول بأنه: لم يولد أبداً، ولم يمت أبداً ولكنه زار هذه الأرض "ما بين 11 ديسمبر 1931 وحتى 19 يناير 1990". إنه المتصوف المستنير... وخلال ثلاثين عاماً أمضى وجوده فيها عبر المحاورات -تلك التي تذكرك بأيام الفلاسفة اليونانيين- ولقد ناقش أفكار الحكماء في العالم واستمر في محاولة طرح رؤية جديدة وحديثة حول كل الأشياء الخاصة والمحيطة بالإنسان. لقد ناقش معيداً الحياة إلى الأوبانيشاد، جوردجيف، كريشنا، بوذا، والزرادشيتة.. كما تحدث حول أفكار الهاسيدز والصوفية واليوغا والتانترا والتاو وغيرها... لقد جلب أطراف الحكمة التي راكمتها البشرية إلى بعضها البعض.
لقد حاول أوشو بتعاليمه أن يساعد الإنسان على تلمس طريقه في الزمن الحالي من سعي الفرد إلى معنى الحياة... وقد وضعت صحيفة سندي تايمز البريطانية أوشو كواحد من أهم مئة شخصية شكلت القرن العشرين. أما أوشو فإنه قدّم توجهاته بأنها محاولة للمساعدة في خلق مناخ لولادة نوعية جديدة من البشرية ترتقي بأرواحها وتدرك وجودها وروابطها في هذا الكون.
إن أوشو يسعى لأن يجمع بين الخيوط التي نسجت روحانية الشرق مع الفكر العلمي للغرب في الإنسان الحديث، وقد طور أوشو أساليب التأمل لتكون جزءاً من الحياة اليومية للإنسان هادفاً نحو الصفاء النفسي والروحي والخروج من تغاهات الحياة.
في الحادي عشر من كانون الأول ولد أوشو في "كوتشوادا مادهيا برادش في الهند". ومنذ بداية شبابه راح يبحث عن الحقيقة، انطلاقاً من تجاربه واختباراته أو من خلال ما حاول البعض أن يلقنه من معارف ومعلومات، وما أن بلغ الحادية والعشرين حتى اكتملت تجربته مع الحياة.
وبعد دراسة عميقة لسيكولوجيا الإنسان المعاصر ومنذ أواخر الستينيات من القرن الماضي شرع أوشو يطور تقنياته التأملية الديناميكية لمساعدة "الإنسان المعاصر المثقل بتفاهات التقاليد البالية، وهموم الحياة اليومية"، لمساعدته على اكتشاف ذاته من خلال التأمل والتحرر من الفرضيات والأفكار المسبقة، وتطهير النفس من رواسب المفاهيم البالية.
في بداية السبعينيات من القرن الماضي بدأ الغرب يتعرف على أفكار أوشو. عام 1974 وفي مدينة بونا الهندية تأسست حلقة فكرية حول أوشو، ومنذ ذلك التاريخ والزوار يقصدونه للاستماع إليه رغبة في التحول من عالم المادة إلى عالم الروح ، ولم يترك أوشو جانباً من جوانب الحياة إلا وتحدث عنه داعياً إلى تطوير الوعي عند الإنسان والارتقاء بالروح الإنسانية إلى ما هو أبعد من المفاهيم الثقافية السائدة، إلى التعرف على الحياة من خلال الممارسة اليومية واختبار مدى أهمية الذات الإنسانية.
أهمية حكمة أوشو أنه يخاطب الإنسان في جوهر كيانه، بلغة بسيطة عميقة صادقة ومفهومة، وفلسفته تصلح لكل زمان ومكان، ويتمتع بقدرة عجيبة على إضاءة الأعماق المظلمة للنفس البشرية حيث يعشش الخوف والقلق.
يوصلنا أوشو لحقيقة لا تستقيم الحياة بدونها وهي((علينا أن نُظهر وجهنا الحقيقي مهما كان الثمن،)) ويبيّن لنا بأمثلة عديدة أن الناس الذين يعيشون بأقنعة ويُظهرون عكس ما يضمرون، يصابون مع الزمن بانفصام داخلي، وتتدمر ثقتهم بأنفسهم تدريجياً... ولن يعرفوا معنى الهدوء والاستقرار الداخلي.
فالصدق مع الذات أولاً ومع الآخر ثانياً، هو أساس بناء علاقات صحيحة في مجتمع سليم...
لكن كيف يمكننا أن نعرف ذاتنا الحقيقية؟! يبين لنا أوشو أن عملية البحث عن الذات أشبه برحلة شاقة، "إذ يجب علينا إسقاط جميع الأفكار الموروثة عن أنفسنا، فالإنسان يجمع كل ما يقوله الناس عنه، ويجعل أقوالهم هويةً له..
إننا ننسى صفاتنا الأصيلة ووجهنا الحقيقي، ويصير هدفنا الحصول على إعجاب الناس وتقديرهم ورضاهم، وللأسف العالم الذي نعيش فيه ليس متحضّراً كما يدّعي، بل هو عالم بربري وبدائي يمجّد القوة التي غالباً ما تكون وحشية وظالمة ومنافقة...
باختصار يدفعنا أوشو للمجازفة...حيث يقول بإيمان:" جازف لتكون حقيقياً ". وكل الوقت الذي عشناه باستخدام الشخصية الزائفة هو انتحار بطيء نمارسه على أنفسنا.
في كتابه الذي يتناول فيه موضوع الذكاء والإبداع، يعرّف أوشو الإنسان الذكي بأنه الثائر، وبأنه الذي يمتلك القدرة على اكتشاف غير العادي في العادي.
ويقول إن جميع أنواع الإبداع هي حدسية، وبأن معظم الاكتشافات العظيمة تحققت بواسطة الحدس وليس الفكر.
ويخصّص أوشو عدة كتب حول أهمية التأمل في الحياة، ويعرّف التأمل بأنه القدرة على أن تكونَ سعيداً وأنتَ وحيد، سعيد بنفسك، كسعادة الطيور في تحليقها..
يحفّزنا أوشو دوماً على اكتشاف آفاق جديدة للحياة، تجعلنا نفهم العالم من حولنا وكيف نتعامل معه، فنحن في الواقع لدينا نظريات عن الحياة، لكننا لا نعيش عمق الحياة الحقيقية. ورؤوسنا مليئة بأفكار نعتقد أنها الحقيقة المطلقة، لكننا لا نفهم أن الحقائق نسبية...إن إنسان اليوم في حالة نفسية بائسة حقاً، معظم حواسه معطلة يعيش في حالة تجمّد، متشبث بعقائد جامدة تعيقه عن التواصل الحقيقي مع الناس، عقائد جامدة فارغة من الروح والحب، حتى حديث الناس مع بعضهم فارغ، إذ إننا نصغي لبعضنا بدافع التهذيب وليس إصغاءً حقيقياً، "الحقيقي إصغاء عقل لعقل وقلب لقلب"..
يساعدنا أوشو في كتبه القيمة على أن نترك أفكارنا البالية تتساقط كما يتساقط الورق اليابس عن أغصان الأشجار، يزيل الصدأ عن أفكارنا وأحاسيسنا، ويفتح مسامنا لنور الحقيقة...
يدلّنا على الأصالة الحقيقية الكامنة في نفوسنا، والتي ضيّعناها بسبب الضغوط الهائلة لهذا الزمن، وبسبب خوفنا من الحياة...
إننا نحتاج لترميم قوانا المُخدّرة بالخوف والقلق، والمشلولة بالإحباط، بل نحتاج لفلسفة صادقة وعميقة حقاً...إن نظرة أوشو تعيننا حقاً في التصدي للزمن المشحون بكل أنواع المشكلات والإحباطات، وخلق الفرح والأمل، إذ لا معنى للحياة بدونهما..
تدعو أفكار أوشو الإنسان إلى التجذّر في الوجود وفتح النوافذ على الوجود، بأن يذهب الإنسان إلى الله لا نتيجة للخوف، وإنما من خلال الحب. "المحبة" ليست مسيحية، ولا إسلامية، ولا هندوسية. وإذا كان القديس يوحنا يرى أن "الله محبة"، وإذا كان نبي جبران يعكس المقولةَ نفسَها في قوله: "لا تقل: الله في قلبي، ولكن قُلْ: أنا في قلب الله"، فإن أوشو يقول "الحب هو الله". وفي هذا اقتراب من مفهوم ابن عربي لـ"دين الحب": "الحب ديني وإيماني."
أحياناً، نجد أنفسنا منغمسين في شيء ما، وفي لحظة التذكر، نخرج من ذواتنا، نعيد تركيب أنفسنا، فتزدحم الأفكار في رؤوسنا فيقول أوشو: "انتقِ الأفضل منها، ستكون أمامك على شاشة الوجود ومن ثم تختفي، كن منتبهاً.. هناك فيها ما هو جيد وما هو عاطل، وإنْ كانت أو لم تكن طبيعية، فانظر إليها بعين العالم.. ذات يوم، فجأة، لن تراها ثانية، وفي هذا اليوم سيغمرك صمت لم تتعرف عليه من قبل، سيبقى إلى جانبك، سيكون معك كنفسك، إنه يحررك من عبودية الجسد.
والحياة، بمفهوم أوشو، هدية من الله تعالى ، كذلك الولادة والحب والموت هدايا، إذا عرفنا كيف نكون شاكرين لله. فكل شيء يتحول إلى هدية، الآخرون يفتقرون إلى الإحساس بالشكر، ومن الناس مَن يُدين الآخرين دائماً ويتذمرون ويطلبون المزيد والمزيد. بينما النوع الأول فقط، هو الذي يصبح ورعاً وشكوراً. على عكس الثاني الذي لا يستطيع ذلك، لأنهم إتّكاليّون ويظنون أن الله يجب عليه أن يلبي كل طلباتهم، ولذلك، يكفرون أحياناً.. إذا لم تُلبّى طلباتهم. وهؤلاء يشعرون دائماً أنهم مكبوتون، وأن كل ما يحدث باطل ومخادع. إذ لا شيء يلبي طلباتهم ورغباتهم، لا شيء يملأ قلوبهم بالرضى. دائماً تحدث الأمور الحسنة بعيداً عنهم، إنهم يعيشون في بؤس وشقاء لأنهم يحملون دائماً الشكوى والحقد ونكران الجميل،.. كيف يستطيعون الشعور بالامتنان؟ "إن لم يكن هناك صلاة وبدون الصلاة ليس هناك دين" هكذا هؤلاء.. ومصيرهم الضلال.
في الحقيقة، الصلاة ضرورية، الصلاة هي الصلة مع الكون... ليست مجرد أدعية وحركات مكررة بل هي شكر لله على ما أعطانا من نِعم الحياة، مهما كانت. إنه موقف يتضمن قول "نعم".. ولا يعرف الشك ولا الإرتياب أو التشاؤم أو السلبية.
العالَم مليء بالجمال والروعة إلى درجة أنه لا يمكنك إلا أن تبادله الفرح والغناء، إن الصلاة ـ هدية لنا فلنكون جديرين بها، نحن لا نستطيع أن نرد الجميل إلى الله إلا بها. فكل ما نستطيعه هو أن نشكر الله والألوهية، وبالشكر تدوم النعم.. فاجعل الصلاة الحقيقية دربك إلى قلبك وربك... كن شكوراً بكل الطرق الممكنة، ولا تتذمر أبداً، أسقط العقل الساخط.إن المسألة، فقط قضية قرار، وما إن تقرر أن تسقط التذمر، حتى تبدأ في إسقاط العادة القديمة، وينبغي ـ أيضاً ـ إسقاط حواجز الجسد، فنحن متماهون كثيراً بأجسادنا، نعتقد أننا أجساد، ونحن لسنا كذلك. هذه هي الفكرة الزائفة الأولى التي ينبغي إسقاطها. هذه الفكرة الزائفة تولد أفكاراً زائفة أخرى... إذا كان الواحد منا محدداً بالجسد فإنه سوف يكون خائفاً من الشيخوخة، المرض، الموت، هذا الخوف يخلق هاجس الالتصاق بالجسد. أنت الذي يدرك هذا الجسد، وأنت لستَ الفكر أيضاً.
ويعود أوشو ليقول:
"ابدأ أولاً بالعمل مع الجسد لأنه من السهل الابتداء مع كل ما هو محسوس، ثم تحول نحو الأرقى والألطف، انظر إلى الفكر باعتباره منفصلاً عن ذاتك، حتى تصبح واعياً أنك لست الجسد ولا الفكر. ستشعر بالحرية وأنك بلا قيود أو حواجز. لن يكون هناك جدران، سيكون هناك فقط المحيط المطلق في كل الاتجاهات. عندئذ ينبغي إسقاط الحاجز الأكثر شفافية. وهو المتعلق بالمشاعر".
أي علينا أولاً أن نتحرر من الجسد، ثم من الفكر، ثم من القلب، وحتى نكون متنورين علينا أن نتحرر من القلب أيضاً. عندما نعرف أننا لسنا الجسد ولسنا الفكر ولسنا القلب، سنعرف مباشرة مَن نحن، وما هو الوجود وما هي الحياة بكل معانيها، وسينكشف الستار مباشرة عن كل الأسرار. جميعنا هنا غرباء، هذا العالم ليس بيتنا، بيتنا في مكان آخر، نحن في أرض غريبة... أن نبقى خارج ذواتنا هو أن نبقى بلا منزل. وبرجوعنا إلى المنزل، نعود إلى داخلنا.....إذاً دعونا نكرس جهودنا كلها للعودة إلى الداخل... لا شيء أكثر قيمة من هذا التوجه وهذا "الحجّ"... لذا علينا المخاطرة والتضحية بكل شيء لأجله وما عداه كل شيء تافه بلا قيمة.
(نتعرّف ولا نعرف)
هناك فرق بين المعرفة والتعرّف. المعرفة هي معلومات وافية عن زمن مضى، بينما التعرف هو محاولة اكتساب معرفة جديدة، إنه عملية تحول متطور، لذا إن كنا فعلاً راغبين بالتعرف، علينا الاعتراف، أن كل شيء قابل للتغيير والتحول. حتى اللغات التي نكتب بها اليوم أو نحكيها، قطعت مراحل (تعرّف) كثيرة حتى وصلت إلى ما هو عليه اليوم. ولهذا انقرضت لغات، لأنها لم تتحول، فلا شيء في هذا الوجود ثابت، بل كل شيء في تحرك دائم. لذا، لا تقل "معرفة" بل "تعرّف" ولا تقل "الحب" بل "أنا عاشق ومعشوق في آن واحد".
المشكلة أننا تعودنا على ترداد الأشياء الجامدة فما نزال نقول "النهر" مع أنه جريان للمياه، وأنه ليس هو ذاته بين ثانية وأخرى. وكذلك الأشجار، ومع أنها تنمو كل لحظة وتتغير، تتساقط أوراقها وتعود تورق من جديد، إذاً، لا شيء ثابت في الوجود.
أيها الإنسان، كن مع الحياة، متحركاً ومتحولاً، ولا تكتفي بالنظر إلى ما يجري دونما اهتمام. بل بهدف التعرف على التحول الذي يصيب الأشياء ولا تكتفي بما عرفت. بل ثابر على اكتساب المعرفة. هكذا ترى الأشياء واضحة.
مهما عرفنا يبقى هناك الكثير من الأشياء والأمور التي عرفنا وتعرفنا عليها والتي لانعرفها بعد. ففي كل لحظة شيء جديد، عرفتُ شيئاً وغابت عني أشياء... حتى أنا الآن لستُ أنا بعد الانتهاء من كتابة هذه الكلمة. أقول "الكلمة" وليس "الكلمات" فالحياة مستمرة في التحول، ولا تتآلف مع الغموض. والله لا يحلّ إلا في قلوب أولئك القادرين على التحوّل والراغبين في التعرّف والتصرّف.
(كيف يتم اكتشاف المعرفة، الحقيقة، الحكمة؟)
إن ذلك يتم من خلال الوعي المنتبه، وليس من خلال مراكمة المعلومات، بل من خلال الذهاب إلى داخل عملية التحول. الوعي المنتبه هو تحول داخلي، لقد ولدتَ الآن من جديد.
بصورة اعتيادية، غالباً ما يتواجد المرء في حالة نائمة، وعيه المنتبه في أدنى درجاته، فقط، بنسبة واحد في المئة، أو بنسبة أقل من ذلك ولكن ذلك يكفيك لعملك اليومي، يكفيك لتكسب خبزك ولتوفر ملجأك وليكون لك أولاد وعائلة، يكفيك هذا الوعي الضئيل لتحقيق ذلك، ولكنه لا يكفيك لتحقيق ما هو أكثر من ذلك، تسع وتسعون في المئة من وجودك يبقى ظلاماً دامساً. لكن، كل ذلك الظلام يمكنك تغييره. بإمكان المرء أن يمتلئ بالنور. عندئذ، يتعرف على فن العيش، وعلى النشوة الهائلة للعيش والحياة.
منذ أن وجد الإنسان والعقل عاجز عن معرفة ماهية الحقيقة، إنه يعرف أشياء عنها، لكنه لا يعرفها بذاتها. أن تعرف شيئاً عن الحقيقة أمر مختلف عن معرفتها، قد تكون قادراً على التحدث عن الحب، من دون أن تعرف ما هو، وحتى أن تتعرف عليه، يجب أن تمر بتجربة الحب، يجب أن تكون عاشقاً. جمع المعلومات شيء، والوصول إلى الذات شيء آخر، بمقدروك حفظ ما قاله الفلاسفة وعلماء الدين، وكذلك نظريات وفرضيات العلوم. ولكن ليس بمقدورك الادعاء أنها أقوالك ونظرياتك وفرضياتك، لا أحد ينكر أنها تعينك على تعميق وعيك. وهنا يكمن الخطر، لأنها تجعلك مدعياً أنك تعرف كل شيء.
دائماً عليك معرفة الشيء ونقيضه، إنك حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء وعليك الاعتراف أنك جاهل لأمور كثيرة .. لماذا؟! حتى تبقى راغباً في حب الاستطلاع، في اكتساب المعرفة، حتى تبقى باحثاً عن الحقيقة، عن حقيقة المعرفة. وهكذا، تمضي حياتك باحثاً عن الحقيقة، عن حقيقة الوجود، باحثاً عن الوعي الكلي الشامل، بهدف الوصول إلى الحقيقة واختبارها.
الله معنا في كل لحظة، إنه الألوهية في قلوبنا النابضة، في رئتينا حين نتنفس لكن "المشكلة هي أننا ـ أحياناً ـ لسنا مع الله". نريده أن يكون معنا ولنا، في حين لا نحاول التقرّب منه.
حين نصبح مع الله، نعي أهمية الحياة، نعي أن علينا الإحساس بالشكر والامتنان ونعي أهمية وجودنا.
ليس بمقدورنا الاستيلاء على الحقيقة، بل أن نسعى إليها، أن تفتح قلبك لها، ولن يكون هذا إلا بالتأمل، إلا بالاستغراق في التفكر والتذكر... في كيفية جعل نفسك ممتلئة بالنعمة والبركة، أن تكون شاعرياً وليس عالماً، في أن تصلي من الأعماق وليس من الشفاه.
صلّي وكلك ثقة أن الله يستجيب لدعائك، وأنه سيكون معك إذا كنتَ معه... كن مصباحاً ينير ذاتك، قبل إنارة غيرك، فلا أحد بمقدوره إعطاءك المعرفة، وإن اعتقدت بهذا، فهذا يعني أنك لن تتعرف إلى المعرفة أبداً أبداً..
لماذا تبحث عن النور خارج ذاتك؟
الله أعطاك كل ما أنت بحاجة إليه، منحك النور الداخلي. وهو دائماً إلى جانبك ومعك ليساعدك على التمييز بين الخطأ والصواب، يغمرك بغبطته ورضاه. فلا تكن مثل أولئك المستلقين على قارعة الطريق بانتظار من يأخذهم معه، فهذا مضيعة للوقت وهدر للطاقة الكامنة فيك.
أنا لن أقول لك ما عليك فعله، ولا كيف يجب أن تفعل هذا أو ذاك.. بل أطلب إليك أن تكون أنت أنت لا أحد غيرك.
وأخيراً...
لماذا لا تجعل حياتك حديقة أزهار، متعددة الألوان والأنواع، وكل زهرة تسعى أن تعطي أكثر من الأخرى، إنه التنافس على العطاء. فلماذا لا نكون مثلها، نتنافس من أجل بلوغ التسامي.
كثيرون من البشر يعانون انقسامات وصراعات داخلية، يحتارون أي طريق يسلكون، لأنهم ليسوا كتلك الأزهار التي توحدت في سبيل العطاء. لن يشعر الإنسان أن حياته ليست مصادفة، بل هي مجموعات تخلّت عن أنانيتها ونذرت نفسها لفعل الخير.
لا نعمة ولا محبة، ولا سعادة، إلا بتوحد الذات الإنسانية مع ذاتها..مع الواحد الأحد..وذلك بتوحيدٍ داخلي للوصول إلى نعمة الله في كل حبة رمل وقطرة ماء...
أحبائي في حال نال هذا الموضوع اهتمامكم وإعجابكم
أعدكم بأن أقدم لكم في موضوع جديد بعض من أقوال وحكم هذا المعلم..
لكم مني جزيل الشكر
وإلى اللقاء..