بنـــــــــاء سلمية الحديثة
في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وخلال فترة الحكم العثماني لسورية ، بدأت تتعرض
حاضرتا حمص وحماه لغزوات البدو ، وبدأ أهالي الحاضرتين يشكون من هذه الغزوات ، فأعلن
الباب العالي للدولة العثمانية عن مغريات لكل جماعة تبني تجمعات سكنية شرقي العاصي ، ومنها
الإعفاء من الجندية والضرائب والسماح بتملك السلاح وتقديم تسهيلات مادية وعينية للإعمار 0
وفي نفس الفترة كانت قد حدثت خلافات وأحداث في قلعة القدموس ، قتل فيها مدير الناحية
وأحد الأمراء ، واعتقل على أثرها الأمير اسماعيل بن محمد بن سليمان وسير إلى جزيرة أرواد
تمهيداً لتسييره إلى ولاية طرابلس ، لكنه تمكن من الهروب والإختباء في كهف بإحدى قرى
الخوابي ، ثم تم إخفاؤه في إحدى القرى مع أسرته التي احضرت سراً من القدموس 0
وعندما أعلنت الدولة العثمانية عن تسهيلات إعمار شرقي العاصي ، استشير الأمير اسماعيل
في إعمار المنطقة ، فوافق شريطة الإعفاء عنه ، وتدخل ذوو الشأن ، واستطاعوا استصدار
فرمان بالإعفاء عنه مقابل بناء تجمع سكني في منطقة يختارها شرقي العاصي 0
وحصل الأمير اسماعيل إضافة لذلك على كتاب من والي طرابلس الشام إلى متصرف حماه
لمساعدته في اختيار المنطقة ، فزودته المتصرفية بثلة من الجنود لمساعدته ، وكان ذلك في
صيف عام 1847 م 0
توجه الأمير مع البعثة إلى الرستن ثم توجهوا جنوباً حتى وصلوا إلى تل المشرفة حيث وجدوا
رسوم مدينة قديمة ( قطنة ) إلا أنها لم تعجبه بسبب تربتها الكلسية وقلة مائها وبعدها عن
العمران 0
فتوجه الركب شمالاً حتى وصلوا خراب سلمية ، فوجدوا مزاراً بقبة متهدمة وداراً خاوية ،
وقلعة لايزال فيها بعض الأبراج والأسوار ، وحولها سهولاً فسيحة وأقنية مياه ، فاتخذ قراره
بإعادة إعمار هذه البقعة ، وعاد أدراجه إلى متصرف حماه ليعلمه بموافقته على إعمار خرب
سلمية مقابل التسهيلات التي قدمها الباب العالي 0
رفع الأمر إلى الأستانة ، فعاد بعد أشهر قليلة بفرمان الإعمار المؤرخ في 18 شعبان 1265 هـ
الموافق 14 شباط 1848 م والذي نص على مايلي وفق مخطوط وجد عند بعض مشايخ
سلمية ، وتمت المصادقة عليه من آخرين :
يأتي أمرنا جواب المعروض المقدم من اسماعيل الأمير محمد بن سليمان الساكن في جبال
الإسماعيلية في ولاية طرابلس الشام بالسماح له بإسكان من يراه من عشيرته وأبناء قبيلته
أراضي الجفتليك الواقعة شرقي نهر العاصي وحتى بادية الشام وجبال الشومرية وجبال العلا ،
يقسمها بينهم بمعرفته طبقاً لرغبتنا في إعمار شرقي نهر العاصي من الديار الشامية ، وله الحق
في تجنيد أربعين عسكرياً واقتناء السلاح للدفاع عن كل الأراضي التي بحوزته والسماح له من
الضرائب الخاصة بالدولة بأنواعها 0
ولايؤخذ من جماعته إلى الخدمة العسكرية إلا من يريد الخدمة بالكيف والقبول 0
وعلى والي الديار الشامية إبلاغ متصرف حماه تطبيق نص الفرمان السلطاني وتقديم المعونة
لإسماعيل الأمير محمد 0
التوقيع والخاتم
حرر في الأستانة 18 شعبان 1265 هـ السلطان شاهنشاهي
عبد المجيد
عاد الأمير اسماعيل بعد ذلك إلى مناطق تجمعات الإسماعيليين في القدموس والخوابي ومصياف
ووادي الصوراني ، يفتش عن أسر يمكن أن ترافقه إلى ( مجيد آباد ) وهو الأسم الذي اقترحه
متصرف حماه ليكون للتجمع المزمع إنشاؤه في موقع خرب سلمية ، وذلك تيمناً باسم السلطان
عبد المجيد صاحب فرمان الإعمار 0
واستطاع الأمير خلال فترة وجيزة أن يجمع حوله خمس عشرة أسرة وافقت على الرحيل
والسكن معه في سلمية 0
وفي حزيران من عام 1848 م وصل الركب إلى سلمية ، وكان عليهم أن ينظفوا القلعة من
القش الموجود بها كي يؤمنوا مكان سكنهم ، وتم ذلك خلال عدة أيام ، حيث توزعوا السكن
في أرجائها ، ثم استحضروا بعد ذلك حرفيين من حماه لتصنيع أبواب للقلعة قبل حلول الشتاء 0
وبدؤوا يعملون بروح تعاونية نشيطة لتأمين أنفسهم وحاجاتهم ، ووجدوا أنفسهم وبشكل
تلقائي يعودون إلى اسم سلمية ، متناسين الأسم المقترح ، فقد كان جميع أهل المنطقة يسمون
هذا الخراب باسم سلمية ، وجلهم يعرف أن لهذا الخراب تاريخ موغل في القدم ، وأن هذا الدمار
كان علي يد قرمطي حاقد 0
وفي الصيف التالي رحل الأمير اسماعيل إلى الجبال الغربية يرافقه بعض الرجال لإستحضار
أسر أخرى ، وتم لهم ذلك خلال شهرين 0 ولكن القلعة لم تعد تستوعب الوافدين الجدد ، فتم
بناء بعض القبب حول القلعة ، وأصلح البعض الحمام القديم للسكن فيه ، وبدأت سلمية تحبو
بشكل تدريجي خارج القلعة 0
وفي ربيع عام 1850 م تعرضت سلمية لغزو من بعض قبائل البدو ، إلا أنهم تمكنوا من رد
الغزو واستعادة المواشي المسلوبة 0 وبفضل حكمة الأمير اسماعيل وحسن معاملة الأسير
قائد الغزو ، تحسنت العلاقة مع هذه العشائر ، وتجاوز الطرفان خلافاتهم ، وصارت أرض
سلمية حرام على الجميع 0
في عام 1868 م مات الأمير اسماعيل ، وحكم سلمية بحكم العرف والعادة ابنه محمد الذي كان
أول مافعله أن رحل إلى القدموس والخوابي وغيرها لتشجيعهم على الرحيل إلى سلمية ، الأرض
البكر والمياه والخير الوفير والخلاص من الجندية والضرائب وتحكم الإقطاع 0
وبدأت تتوافد من جديد أسر أخرى من تلك المناطق ومن عكار وبعرين وشيزر ، وتوسعت سلمية
وظهرت بعض المتاجر حول القلعة ، ووفدت عليها قبائل من البدو للتجارة 0
وتم توزيع الأراضي من جديد على الوافدين ونشطت الزراعة بشكل كبير 0
وبدأ إعمار الريف تباعاً ، قرية إثر أخرى بصلاحيات ممنوحة من متصرف حماه ، وبدعم واسع
من الأمير ، فتم بناء قرية عزالدين بعد حوالي عشر سنوات من بناء سلمية ، وصبورة في
عام 1862 والكافات عام 1869 واستوطنت أسر حموية وحمصية سلمية في عام 1870
وبنيت قرية عقارب الصافي عام 1873 م وبري الشرقي عام 1876 م وبري الغربي عام 1883
وبنيت تل الدرة وسعن الشجرة في نفس العام 1883 م أما جدوعة فبنيت عام 1888 م وتل
التوت عام 1891 والمفجر بين عامي 1893 و1898 م والمبعوجة بين عامي 1898 و1902
واستوطن الشراكس سلمية بين عامي 1901 و1906 م وبنيت قرية تل جديد وقرية فريتان
بين عامي 1906 و1910 والعلباوي بين عامي 1922 و1927 وهاجر إليها سكان قلعة
العليقة في عام 1932 وبنيت قرية الشيخ هلال عام 1935 وكان سكان بلدة القدموس قد
رحلوا إليها عام 1920 إثر بلبلة حدثت فيها لم يسيطر عليها ، أدت إلى دخول الفرنسيين إليها 0
( أعد الموضوع بتصرف عن كتاب " سلمية في خمسين قرناً " للباحث الراحل محمود أمين )
في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وخلال فترة الحكم العثماني لسورية ، بدأت تتعرض
حاضرتا حمص وحماه لغزوات البدو ، وبدأ أهالي الحاضرتين يشكون من هذه الغزوات ، فأعلن
الباب العالي للدولة العثمانية عن مغريات لكل جماعة تبني تجمعات سكنية شرقي العاصي ، ومنها
الإعفاء من الجندية والضرائب والسماح بتملك السلاح وتقديم تسهيلات مادية وعينية للإعمار 0
وفي نفس الفترة كانت قد حدثت خلافات وأحداث في قلعة القدموس ، قتل فيها مدير الناحية
وأحد الأمراء ، واعتقل على أثرها الأمير اسماعيل بن محمد بن سليمان وسير إلى جزيرة أرواد
تمهيداً لتسييره إلى ولاية طرابلس ، لكنه تمكن من الهروب والإختباء في كهف بإحدى قرى
الخوابي ، ثم تم إخفاؤه في إحدى القرى مع أسرته التي احضرت سراً من القدموس 0
وعندما أعلنت الدولة العثمانية عن تسهيلات إعمار شرقي العاصي ، استشير الأمير اسماعيل
في إعمار المنطقة ، فوافق شريطة الإعفاء عنه ، وتدخل ذوو الشأن ، واستطاعوا استصدار
فرمان بالإعفاء عنه مقابل بناء تجمع سكني في منطقة يختارها شرقي العاصي 0
وحصل الأمير اسماعيل إضافة لذلك على كتاب من والي طرابلس الشام إلى متصرف حماه
لمساعدته في اختيار المنطقة ، فزودته المتصرفية بثلة من الجنود لمساعدته ، وكان ذلك في
صيف عام 1847 م 0
توجه الأمير مع البعثة إلى الرستن ثم توجهوا جنوباً حتى وصلوا إلى تل المشرفة حيث وجدوا
رسوم مدينة قديمة ( قطنة ) إلا أنها لم تعجبه بسبب تربتها الكلسية وقلة مائها وبعدها عن
العمران 0
فتوجه الركب شمالاً حتى وصلوا خراب سلمية ، فوجدوا مزاراً بقبة متهدمة وداراً خاوية ،
وقلعة لايزال فيها بعض الأبراج والأسوار ، وحولها سهولاً فسيحة وأقنية مياه ، فاتخذ قراره
بإعادة إعمار هذه البقعة ، وعاد أدراجه إلى متصرف حماه ليعلمه بموافقته على إعمار خرب
سلمية مقابل التسهيلات التي قدمها الباب العالي 0
رفع الأمر إلى الأستانة ، فعاد بعد أشهر قليلة بفرمان الإعمار المؤرخ في 18 شعبان 1265 هـ
الموافق 14 شباط 1848 م والذي نص على مايلي وفق مخطوط وجد عند بعض مشايخ
سلمية ، وتمت المصادقة عليه من آخرين :
يأتي أمرنا جواب المعروض المقدم من اسماعيل الأمير محمد بن سليمان الساكن في جبال
الإسماعيلية في ولاية طرابلس الشام بالسماح له بإسكان من يراه من عشيرته وأبناء قبيلته
أراضي الجفتليك الواقعة شرقي نهر العاصي وحتى بادية الشام وجبال الشومرية وجبال العلا ،
يقسمها بينهم بمعرفته طبقاً لرغبتنا في إعمار شرقي نهر العاصي من الديار الشامية ، وله الحق
في تجنيد أربعين عسكرياً واقتناء السلاح للدفاع عن كل الأراضي التي بحوزته والسماح له من
الضرائب الخاصة بالدولة بأنواعها 0
ولايؤخذ من جماعته إلى الخدمة العسكرية إلا من يريد الخدمة بالكيف والقبول 0
وعلى والي الديار الشامية إبلاغ متصرف حماه تطبيق نص الفرمان السلطاني وتقديم المعونة
لإسماعيل الأمير محمد 0
التوقيع والخاتم
حرر في الأستانة 18 شعبان 1265 هـ السلطان شاهنشاهي
عبد المجيد
عاد الأمير اسماعيل بعد ذلك إلى مناطق تجمعات الإسماعيليين في القدموس والخوابي ومصياف
ووادي الصوراني ، يفتش عن أسر يمكن أن ترافقه إلى ( مجيد آباد ) وهو الأسم الذي اقترحه
متصرف حماه ليكون للتجمع المزمع إنشاؤه في موقع خرب سلمية ، وذلك تيمناً باسم السلطان
عبد المجيد صاحب فرمان الإعمار 0
واستطاع الأمير خلال فترة وجيزة أن يجمع حوله خمس عشرة أسرة وافقت على الرحيل
والسكن معه في سلمية 0
وفي حزيران من عام 1848 م وصل الركب إلى سلمية ، وكان عليهم أن ينظفوا القلعة من
القش الموجود بها كي يؤمنوا مكان سكنهم ، وتم ذلك خلال عدة أيام ، حيث توزعوا السكن
في أرجائها ، ثم استحضروا بعد ذلك حرفيين من حماه لتصنيع أبواب للقلعة قبل حلول الشتاء 0
وبدؤوا يعملون بروح تعاونية نشيطة لتأمين أنفسهم وحاجاتهم ، ووجدوا أنفسهم وبشكل
تلقائي يعودون إلى اسم سلمية ، متناسين الأسم المقترح ، فقد كان جميع أهل المنطقة يسمون
هذا الخراب باسم سلمية ، وجلهم يعرف أن لهذا الخراب تاريخ موغل في القدم ، وأن هذا الدمار
كان علي يد قرمطي حاقد 0
وفي الصيف التالي رحل الأمير اسماعيل إلى الجبال الغربية يرافقه بعض الرجال لإستحضار
أسر أخرى ، وتم لهم ذلك خلال شهرين 0 ولكن القلعة لم تعد تستوعب الوافدين الجدد ، فتم
بناء بعض القبب حول القلعة ، وأصلح البعض الحمام القديم للسكن فيه ، وبدأت سلمية تحبو
بشكل تدريجي خارج القلعة 0
وفي ربيع عام 1850 م تعرضت سلمية لغزو من بعض قبائل البدو ، إلا أنهم تمكنوا من رد
الغزو واستعادة المواشي المسلوبة 0 وبفضل حكمة الأمير اسماعيل وحسن معاملة الأسير
قائد الغزو ، تحسنت العلاقة مع هذه العشائر ، وتجاوز الطرفان خلافاتهم ، وصارت أرض
سلمية حرام على الجميع 0
في عام 1868 م مات الأمير اسماعيل ، وحكم سلمية بحكم العرف والعادة ابنه محمد الذي كان
أول مافعله أن رحل إلى القدموس والخوابي وغيرها لتشجيعهم على الرحيل إلى سلمية ، الأرض
البكر والمياه والخير الوفير والخلاص من الجندية والضرائب وتحكم الإقطاع 0
وبدأت تتوافد من جديد أسر أخرى من تلك المناطق ومن عكار وبعرين وشيزر ، وتوسعت سلمية
وظهرت بعض المتاجر حول القلعة ، ووفدت عليها قبائل من البدو للتجارة 0
وتم توزيع الأراضي من جديد على الوافدين ونشطت الزراعة بشكل كبير 0
وبدأ إعمار الريف تباعاً ، قرية إثر أخرى بصلاحيات ممنوحة من متصرف حماه ، وبدعم واسع
من الأمير ، فتم بناء قرية عزالدين بعد حوالي عشر سنوات من بناء سلمية ، وصبورة في
عام 1862 والكافات عام 1869 واستوطنت أسر حموية وحمصية سلمية في عام 1870
وبنيت قرية عقارب الصافي عام 1873 م وبري الشرقي عام 1876 م وبري الغربي عام 1883
وبنيت تل الدرة وسعن الشجرة في نفس العام 1883 م أما جدوعة فبنيت عام 1888 م وتل
التوت عام 1891 والمفجر بين عامي 1893 و1898 م والمبعوجة بين عامي 1898 و1902
واستوطن الشراكس سلمية بين عامي 1901 و1906 م وبنيت قرية تل جديد وقرية فريتان
بين عامي 1906 و1910 والعلباوي بين عامي 1922 و1927 وهاجر إليها سكان قلعة
العليقة في عام 1932 وبنيت قرية الشيخ هلال عام 1935 وكان سكان بلدة القدموس قد
رحلوا إليها عام 1920 إثر بلبلة حدثت فيها لم يسيطر عليها ، أدت إلى دخول الفرنسيين إليها 0
( أعد الموضوع بتصرف عن كتاب " سلمية في خمسين قرناً " للباحث الراحل محمود أمين )
