**************************************
طقوس، وأنواء شتوية، اسمها: (العجائز) و(سعد السعود)..!!
**********************************************
في هذه الأيام المباركة،التي تصادف عيد المولد النبوي الشريف،والتي جادت فيها يد العناية الإلهية، وأنعمت علينا بغيث وفير،سقى الزرع والضرع،ومن باب الشكر لله عزّ وجلّ على نعمه الكثيرة،أحببت أن أذكر ببعض طقوس مثل هذه الأيام،التي كان العرب قديماً يورخون لها، ويعدّون العدة لحلولها،ويتفاءلون بقدومها،ومنها ما يسمى في مصطلحهم ومعجمهم الشعبي، العجائز أو
( العجايز)كما يلفظها عامة الناس في بلدي بلغتهم الدارجة،وهي أنواء أو طقوس تطلق على أيام محدّدة من فصل الشتاء تقع مابين شهري شباط وآذار ، وتحديداً يختتم بها شهر شباط، ويفتتح بها شهر آذار في كلّ عام،وبشكل أوضح وأدقّ،هي الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر شباط،والأيام الأربعة الأوائل من شهر آذار،وكان الناس يقولون على لسان شهر شباط مخاطباً شهر آذار أربعة منّك وثلاثة منّي، لنخلّي العجوز تغنّي)..ولشدّة قساوتها كان الناس يعدّون مؤونة الطعام لهم ولمواشيهم،تحسباً لكلّ ظرف مناخي طارئ،قديحدث مثل هذه الأيام،حتى أنّ العجائز أنفسهن كنّ يتندّرن فيما بينهن بمن سوف يكون دورها بمفارقة الدنيا قبل الأخريات.ومن هي العجوز المرشحة لهذا الدور في كلّ يوم من أيام العجائز القاسية والمريرة والمميتة على حدّ سواء.
وكان القدماء يؤرخون لها على التوقيت الشرقي،الذي يتأخر ثلاثة عشر يوما عن التوقيت الغربي،فمثلاً هذا اليوم الجمعة المصادف/26/من شهر شباط على التوقيت الغربي،فهو يصادف/13/من شهر شباط على التوقيت الشرقي،
وليالي العجائز حسبما مارواه القدماء، يكون طقسها بارداً ومثلجاً،ويتندّر الناس وهم محاصرون من شدة البرد خلف (كانون) التدفئة،يتندرون بأنّ هذه الليلة القاسية هي باسم العجوز الكهينة(أم فلان)،وتلك الليلة من ليالي العجايز إذا كانت أقل قساوة ،هي باسم العجوز الطيبة (أم علان..)وهكذا يمضون ليالي العجائز الطويلة، وهم يتسامرون ويتدفئون على جمر الموقد، الذي كان معظم وقوده من (الجلّة) المصنوعة من روث الحيوانات، يسخّنون خبز الذرة والشعير على جمر مواقدهم،هذا إن تجمّرت ناره.
ويصادف هذا التاريخ أيضاً على التوقيت الغربي أول سعد السعود،يقول العلامة بالتاريخ والأخبار والأدب(عبد القادر البغداي)في مؤلفهخزانة الأدب ولبّ لباب العرب) وهو يصف قدوم سعد السعود وأنواءه:
"يكون لعشر تمضي من شباط، تسقط الجبهة في المغرب غدوة، ويطلع سعد السعود من المشرق غدوة. وفيه تقع الجمرة الثالثة ويتحرك أول العشب، ويصوت الطير ويورق الشجر، ويكون مطرٌ جود. ويسمى نوء الأسد، لأنه يتصل
بها كواكب في جبهة الأسد .. وخص هاتين المنزلتين لأن السحاب الذي ينشأ بنوء من منازل الأسد يكون مطره غزيراً، فلذلك يسرّ به. والنوء: غيبوبة الكوكب في المغرب غدوة، وطلوع رقيبه في المشرق غدوة، وسمي النوء لأنه ناء أي: نهض للغيوب.
قال الزجاج: والذي أختار مذهب الخليل: وهو أن النوء اسم المطر الذي يكون مع سقوط النجم، فاسم مطر الكوكب الساقط النوء."
و كان الناس يتفاءلون بقدومه،كما يقول الشاعر المصري(صالح مجدي) متفائلاً بقدوم عيد المولد النبوي الذي يصادف أول سعد السعود:
يا شَمس حسن بَديع نُور طَلعتها == أَربى عَلى نُور شَمس الأُفق وَالقَمَرِ
وَيا وَليدة مَحمود مَناقبه == عَلا بِها قَدره في البَدو وَالحضر
بُشرى بِمولدك السامي فَطالعه == سَعدُ السُعود بِنَص جاءَ في الخَبَر
أوكما يقول الشاعر اليمني(أبو بكر العيدروس) متفائلاً بقدوم سعد السعود:
أعادك اللَه كلّ عيد في سعود == ولا برح طالعكم سعد السعود
وكمايقول ابن الرومي:
وإنني لأرَجِّي أن يصبّحني == سعدُ السعودِ بحظ منه مُقتبلِ
أو كما يخاطب ابن خاتمة الأندلسي ممدوحه، ويبارك له في دار جديدة شيّدها:
كُنْ لِدارٍ شَيَّدْتَها خَيْرَ نازِلْ == في هَناءٍ وسامِياتِ مَنازِلْ
أنْتَ بَدْرٌ بَيْنَ الأنامِ مُنِيرٌ == وهيَ سَعْدُ السُّعودِ بَيْنَ المَنازِلْ
أو كما يقول الشاعر المغربي( ابن زاكور):
دَراهِمُ النَورِ وَش == شَت بُرودُ خُضرِ النُجودِ
وَنَفحَةُ الخَيرِ جا == ءَت تَقودُ سَعدَ السُعودِ
وفي سعد السعود هذا كما يقول القدماءتدبّ الماويّة في العود،ويدفأ كلّ مبرود)
ولايعود الناس يخشون على الأشجار من الصقيع،أو على أنفسهم من برد وزمهرير الشتاء،يقول الشاعر(ابن نباتة المصري):
رويت بالمنهلِ السعدي بعد ظما == أضنى من الحال معدومي وموجودي
حتى يغني الرَّجا بشراك يا ظمإي == سعد السعود ومجري الماء في العود
وكان الشعراء يضربون به المثل في مديحهم فيقولون:
الممدوح بأنه لو كان كذا لكان خيره:
قال أبو عمرو بن العلاء: لو كانت ربيعة فرساً، لكان شيبان غرتها.
قال: لو كانت ماء كنت من مزنة == أو كنت نجماً كنت سعد السعود
ويقول البعض أنّ سعد السعود(سلاخ الجلود)كما كان أبناء الريف في بلادي يحبّون أن يصفوه لشدة برده وزمهريره،ولم أجد مايؤيد هذا في كلام القدماء...
وكلّ عام وسعد السعود يطلّ عليكم ،وقد هلّت بشائره بالخير الوفير، والماء النمير. و في كلّ عيد، لكم منه بشرى بالحظ السعيد.
كما أرجو من السادة القراء،والمشاركين على هذا المنتدى،أن يغنوا هذه المشاركة بمعلوماتهم المتوفرة لديهم عن هذا الموضوع.وشكراً للجميع.
سلمية في /26/2/2010
الصديق:ابن البلد[b]
طقوس، وأنواء شتوية، اسمها: (العجائز) و(سعد السعود)..!!
**********************************************
في هذه الأيام المباركة،التي تصادف عيد المولد النبوي الشريف،والتي جادت فيها يد العناية الإلهية، وأنعمت علينا بغيث وفير،سقى الزرع والضرع،ومن باب الشكر لله عزّ وجلّ على نعمه الكثيرة،أحببت أن أذكر ببعض طقوس مثل هذه الأيام،التي كان العرب قديماً يورخون لها، ويعدّون العدة لحلولها،ويتفاءلون بقدومها،ومنها ما يسمى في مصطلحهم ومعجمهم الشعبي، العجائز أو
( العجايز)كما يلفظها عامة الناس في بلدي بلغتهم الدارجة،وهي أنواء أو طقوس تطلق على أيام محدّدة من فصل الشتاء تقع مابين شهري شباط وآذار ، وتحديداً يختتم بها شهر شباط، ويفتتح بها شهر آذار في كلّ عام،وبشكل أوضح وأدقّ،هي الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر شباط،والأيام الأربعة الأوائل من شهر آذار،وكان الناس يقولون على لسان شهر شباط مخاطباً شهر آذار أربعة منّك وثلاثة منّي، لنخلّي العجوز تغنّي)..ولشدّة قساوتها كان الناس يعدّون مؤونة الطعام لهم ولمواشيهم،تحسباً لكلّ ظرف مناخي طارئ،قديحدث مثل هذه الأيام،حتى أنّ العجائز أنفسهن كنّ يتندّرن فيما بينهن بمن سوف يكون دورها بمفارقة الدنيا قبل الأخريات.ومن هي العجوز المرشحة لهذا الدور في كلّ يوم من أيام العجائز القاسية والمريرة والمميتة على حدّ سواء.
وكان القدماء يؤرخون لها على التوقيت الشرقي،الذي يتأخر ثلاثة عشر يوما عن التوقيت الغربي،فمثلاً هذا اليوم الجمعة المصادف/26/من شهر شباط على التوقيت الغربي،فهو يصادف/13/من شهر شباط على التوقيت الشرقي،
وليالي العجائز حسبما مارواه القدماء، يكون طقسها بارداً ومثلجاً،ويتندّر الناس وهم محاصرون من شدة البرد خلف (كانون) التدفئة،يتندرون بأنّ هذه الليلة القاسية هي باسم العجوز الكهينة(أم فلان)،وتلك الليلة من ليالي العجايز إذا كانت أقل قساوة ،هي باسم العجوز الطيبة (أم علان..)وهكذا يمضون ليالي العجائز الطويلة، وهم يتسامرون ويتدفئون على جمر الموقد، الذي كان معظم وقوده من (الجلّة) المصنوعة من روث الحيوانات، يسخّنون خبز الذرة والشعير على جمر مواقدهم،هذا إن تجمّرت ناره.
ويصادف هذا التاريخ أيضاً على التوقيت الغربي أول سعد السعود،يقول العلامة بالتاريخ والأخبار والأدب(عبد القادر البغداي)في مؤلفهخزانة الأدب ولبّ لباب العرب) وهو يصف قدوم سعد السعود وأنواءه:
"يكون لعشر تمضي من شباط، تسقط الجبهة في المغرب غدوة، ويطلع سعد السعود من المشرق غدوة. وفيه تقع الجمرة الثالثة ويتحرك أول العشب، ويصوت الطير ويورق الشجر، ويكون مطرٌ جود. ويسمى نوء الأسد، لأنه يتصل
بها كواكب في جبهة الأسد .. وخص هاتين المنزلتين لأن السحاب الذي ينشأ بنوء من منازل الأسد يكون مطره غزيراً، فلذلك يسرّ به. والنوء: غيبوبة الكوكب في المغرب غدوة، وطلوع رقيبه في المشرق غدوة، وسمي النوء لأنه ناء أي: نهض للغيوب.
قال الزجاج: والذي أختار مذهب الخليل: وهو أن النوء اسم المطر الذي يكون مع سقوط النجم، فاسم مطر الكوكب الساقط النوء."
و كان الناس يتفاءلون بقدومه،كما يقول الشاعر المصري(صالح مجدي) متفائلاً بقدوم عيد المولد النبوي الذي يصادف أول سعد السعود:
يا شَمس حسن بَديع نُور طَلعتها == أَربى عَلى نُور شَمس الأُفق وَالقَمَرِ
وَيا وَليدة مَحمود مَناقبه == عَلا بِها قَدره في البَدو وَالحضر
بُشرى بِمولدك السامي فَطالعه == سَعدُ السُعود بِنَص جاءَ في الخَبَر
أوكما يقول الشاعر اليمني(أبو بكر العيدروس) متفائلاً بقدوم سعد السعود:
أعادك اللَه كلّ عيد في سعود == ولا برح طالعكم سعد السعود
وكمايقول ابن الرومي:
وإنني لأرَجِّي أن يصبّحني == سعدُ السعودِ بحظ منه مُقتبلِ
أو كما يخاطب ابن خاتمة الأندلسي ممدوحه، ويبارك له في دار جديدة شيّدها:
كُنْ لِدارٍ شَيَّدْتَها خَيْرَ نازِلْ == في هَناءٍ وسامِياتِ مَنازِلْ
أنْتَ بَدْرٌ بَيْنَ الأنامِ مُنِيرٌ == وهيَ سَعْدُ السُّعودِ بَيْنَ المَنازِلْ
أو كما يقول الشاعر المغربي( ابن زاكور):
دَراهِمُ النَورِ وَش == شَت بُرودُ خُضرِ النُجودِ
وَنَفحَةُ الخَيرِ جا == ءَت تَقودُ سَعدَ السُعودِ
وفي سعد السعود هذا كما يقول القدماءتدبّ الماويّة في العود،ويدفأ كلّ مبرود)
ولايعود الناس يخشون على الأشجار من الصقيع،أو على أنفسهم من برد وزمهرير الشتاء،يقول الشاعر(ابن نباتة المصري):
رويت بالمنهلِ السعدي بعد ظما == أضنى من الحال معدومي وموجودي
حتى يغني الرَّجا بشراك يا ظمإي == سعد السعود ومجري الماء في العود
وكان الشعراء يضربون به المثل في مديحهم فيقولون:
الممدوح بأنه لو كان كذا لكان خيره:
قال أبو عمرو بن العلاء: لو كانت ربيعة فرساً، لكان شيبان غرتها.
قال: لو كانت ماء كنت من مزنة == أو كنت نجماً كنت سعد السعود
ويقول البعض أنّ سعد السعود(سلاخ الجلود)كما كان أبناء الريف في بلادي يحبّون أن يصفوه لشدة برده وزمهريره،ولم أجد مايؤيد هذا في كلام القدماء...
وكلّ عام وسعد السعود يطلّ عليكم ،وقد هلّت بشائره بالخير الوفير، والماء النمير. و في كلّ عيد، لكم منه بشرى بالحظ السعيد.
كما أرجو من السادة القراء،والمشاركين على هذا المنتدى،أن يغنوا هذه المشاركة بمعلوماتهم المتوفرة لديهم عن هذا الموضوع.وشكراً للجميع.
سلمية في /26/2/2010
الصديق:ابن البلد[b]