الاسماعيليون في العصر الوسيط
يتناول د.فرهاد دفتري مؤلف كتاب «الاسماعيليون في مجتمعات العصر الوسيط الإسلامية »جوانب من الفكر والتاريخ الإسماعيليين في العصور الوسطى، ويناقش فيه المراحل المختلفة من هذا التاريخ واصفا مساهمة الإسماعيليين الأوائل واللاحقين في الثقافة الإسلامية، محددا مكانة الإسماعيليين في المجتمعات الإسلامية الوسيطة، كما استعرض العلاقات الإسماعيلية ـ الصليبية وما نتج منها من أساطير منسوجة حول الإسماعيليين. ويرى الكاتب بأن الدعوة الإسماعيلية التي بدأت بالظهور في منتصف القرن التاسع قد لقيت نجاحا واضحا بفضل الدعاة الكثر الذين نشروها في العراق واليمن وإيران وآسيا الوسطى وأمكنة أخرى حيث كانت تستهوي الطبقات المختلفة للمجتمع، وبعدها ظهر الأئمة الإسماعيليون إلى العلن ليتوج النجاح المبكر للدعوة الإسماعيلية بتأسيس الخلافة الفاطمية (909- 1171) في شمال إفريقيا عام 909 تحت القيادة المباشرة للأئمة الإسماعيليين الذين كانوا يعودون بنسبهم إلى علي وفاطمة بنت النبي.
وفي تعريفه للطائفة الإسماعيلية التي تمثل ثاني أكبر فرقة شيعية مسلمة بعد الإثني عشرية، يرى دفتري بأن الإسماعيليين يتوزعون اليوم كأقليات دينية في أكثر من خمسة وعشرين بلدا من بلدان آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، حيث كان للإسماعيليين تاريخ معقد يعود إلى الفترة التكوينية للإسلام، وانقسموا في مجرى تاريخهم الطويل إلى عدد من الفروع الرئيسة والمجموعات الثانوية، وأصبح الفرعان الرئيسان، المستعلي الطيبي والإسماعيلي النزاري، يعرفان اليوم في جنوب آسيا بالبهرة والخوجا. ووقف الباحث عند اربعينيات القرن التاسع عشر الذي تحول خلاله مقر الإمامة الإسماعيلية النزارية من إيران إلى الهند ومن ثم إلى أوروبا، فكان ذلك بداية الفترة الحديثة في تاريخ الإسماعيليين النزاريين الذين استفادوا من السياسات التحديثية وشبكات عمل مؤسساتهم المعقدة التي أسسها آخر إمامين لهم عرفا عالميا بلقبهما الوراثي «الآغاخان»، وظهروا وهم الذين يبلغ عددهم بضعة ملايين أقلية مسلمة مثقفة ومزدهرة.
وسلط المؤلف الضوء على تاريخ الإسماعيليين السوريين مشيرا إلى الإسماعيليين في فارس الذين كانوا تحت القيادة الشاملة لحسن الصباح الداعية الإسماعيلي اللامع الذي سبق أن انتهج سياسة ثورية مستقلة ضد الاتراك السلاجقة، ومنذ السنوات الأولى للقرن الثاني عشر بعث حسن الصباح بالدعاة غلى سوريا من أجل تنظيم الإسماعيليين النزاريين وقيادتهم، فكانت التجزئة السياسة والتيبوغرافيا الدينية المتنوعة للمنطقة.
ويستعرض دفتري انطلاق الإسماعيليين السوريين في عملياتهم من قاعدتهم في حلب حيث وجدوا حماية مؤقتة لهم في شخص حاكم المدينة السلجوقي رضوان، وفي عام 1106 احتلوا أفاميا الموقع المتقدم المحصن لحلب، وبعد نكبتهم في دمشق نقل الإسماعيليون مركز عملياتهم إلى دمشق في الجنوب، وإبان الطور الثالث من تاريخهم المبكر الذي دام نحوا من عقدين من الزمن عقب نكبتهم في دمشق عام 1129، نجحوا في الحصول على شبكة من القلاع في جبل البهراء، جبل أنصارية الحديث الكائن بين مدينة حماه وساحل البحر المتوسط. وفي السياق نفسه تطرق المؤلف إلى الفترة الزمنية التي بدأ فيها المغول في إكمال فتوحاتهم في غربي آسيا حيث كانت أهدافهم الأساسية هي تدمير الدولة الإسماعيلية في آلموت والخلافة العباسية، وهما هدفان تحققا بفعالية ووحشية عامي 1256 و1258 على التوالي، وهكذا تم تهجير الإسماعيليين في فارس من تجمعاتهم التقليدية في القلاع عقب الغزوات المغولية. واضطر الناجون من المذابح المغولية للعيش ضمن مجموعات صغيرة سرية في مناطق نائية في حين هاجر العديد منهم إلى آسيا الوسطى والهند، وهكذا فقد الإسماعيليون النزاريون في تلك الفترة وبشكل دائم بروزهم السياسي وحافظوا على بقائهم أقلية دينية غامضة. وعلى الرغم من نجاة الإسماعيليون في سوريا من النكبة المغولية لكنهم فقدوا استقلالهم السياسي ليخضعوا للمماليك الذين كانوا يؤسسون حكمهم في سوريا ومصر خلفا للأمويين.
يشير فرهاد دفتري إلى تاريخ الكتابات الإسماعيلية التي بلغت ارتقاء خاصا ومدهشا، إلا أن الإسماعيليين قد تعرضوا خلال تاريخهم الطويل وبشكل متكرر للإتهام بأنواع شتى من الممارسات والتعاليم الهرطقية إضافة إلى جملة من الأساطير والتشويهات المتزامنة التي أشيعت عنهم سببها أنهم الجناح الأكثر ثورية للشيعية، بالإضافة غلى الأجندة السياسية ـ الدينية التي تهدف إلى اقتلاع العباسيين واستعادة الخلافة إلى خط الأئمة العلويين.
المؤلف في سطور
الدكتور فرهاد دفتري تعلم في إيران وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في بيركلي في عام 1971، حيث شغل مناصب أكاديمية مختلفة، ومنذ عام 1988 انضم إلى معهد الدراسات الإسماعيلية حيث يشغل حالياً منصب القائم بأعمال الإدارة ومدير قسم البحث الأكاديمي والمنشورات. ويعمل الدكتور دفتري كمحررمستشار تحرير لموسوعة ايرانيكا وعضو في الهيئة الاستشارية لموسوعة الاسلام (الإصدار الثالث). كما يعمل أيضاً كمحرر عام لسلسلة التراث الاسماعيلي وسلسلة النصوص والترجمات الإسماعيلية. صدر للدكتور دفتري الخبير بالدراسات الاسماعيلية عدة كتب العديد في هذا المجال منها الاسماعيليون تاريخهم وعقائدهم، خرافات الحشاشين وأساطيرالإسماعيليين، مختصر تاريخ الاسماعيليين، الأدب الاسماعيلي، كما قام بتحرير كتاب التاريخ والفكر الاسماعيلي الوسيط، وكتاب التقاليد الفكرية في الإسلام.
يتناول د.فرهاد دفتري مؤلف كتاب «الاسماعيليون في مجتمعات العصر الوسيط الإسلامية »جوانب من الفكر والتاريخ الإسماعيليين في العصور الوسطى، ويناقش فيه المراحل المختلفة من هذا التاريخ واصفا مساهمة الإسماعيليين الأوائل واللاحقين في الثقافة الإسلامية، محددا مكانة الإسماعيليين في المجتمعات الإسلامية الوسيطة، كما استعرض العلاقات الإسماعيلية ـ الصليبية وما نتج منها من أساطير منسوجة حول الإسماعيليين. ويرى الكاتب بأن الدعوة الإسماعيلية التي بدأت بالظهور في منتصف القرن التاسع قد لقيت نجاحا واضحا بفضل الدعاة الكثر الذين نشروها في العراق واليمن وإيران وآسيا الوسطى وأمكنة أخرى حيث كانت تستهوي الطبقات المختلفة للمجتمع، وبعدها ظهر الأئمة الإسماعيليون إلى العلن ليتوج النجاح المبكر للدعوة الإسماعيلية بتأسيس الخلافة الفاطمية (909- 1171) في شمال إفريقيا عام 909 تحت القيادة المباشرة للأئمة الإسماعيليين الذين كانوا يعودون بنسبهم إلى علي وفاطمة بنت النبي.
وفي تعريفه للطائفة الإسماعيلية التي تمثل ثاني أكبر فرقة شيعية مسلمة بعد الإثني عشرية، يرى دفتري بأن الإسماعيليين يتوزعون اليوم كأقليات دينية في أكثر من خمسة وعشرين بلدا من بلدان آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، حيث كان للإسماعيليين تاريخ معقد يعود إلى الفترة التكوينية للإسلام، وانقسموا في مجرى تاريخهم الطويل إلى عدد من الفروع الرئيسة والمجموعات الثانوية، وأصبح الفرعان الرئيسان، المستعلي الطيبي والإسماعيلي النزاري، يعرفان اليوم في جنوب آسيا بالبهرة والخوجا. ووقف الباحث عند اربعينيات القرن التاسع عشر الذي تحول خلاله مقر الإمامة الإسماعيلية النزارية من إيران إلى الهند ومن ثم إلى أوروبا، فكان ذلك بداية الفترة الحديثة في تاريخ الإسماعيليين النزاريين الذين استفادوا من السياسات التحديثية وشبكات عمل مؤسساتهم المعقدة التي أسسها آخر إمامين لهم عرفا عالميا بلقبهما الوراثي «الآغاخان»، وظهروا وهم الذين يبلغ عددهم بضعة ملايين أقلية مسلمة مثقفة ومزدهرة.
وسلط المؤلف الضوء على تاريخ الإسماعيليين السوريين مشيرا إلى الإسماعيليين في فارس الذين كانوا تحت القيادة الشاملة لحسن الصباح الداعية الإسماعيلي اللامع الذي سبق أن انتهج سياسة ثورية مستقلة ضد الاتراك السلاجقة، ومنذ السنوات الأولى للقرن الثاني عشر بعث حسن الصباح بالدعاة غلى سوريا من أجل تنظيم الإسماعيليين النزاريين وقيادتهم، فكانت التجزئة السياسة والتيبوغرافيا الدينية المتنوعة للمنطقة.
ويستعرض دفتري انطلاق الإسماعيليين السوريين في عملياتهم من قاعدتهم في حلب حيث وجدوا حماية مؤقتة لهم في شخص حاكم المدينة السلجوقي رضوان، وفي عام 1106 احتلوا أفاميا الموقع المتقدم المحصن لحلب، وبعد نكبتهم في دمشق نقل الإسماعيليون مركز عملياتهم إلى دمشق في الجنوب، وإبان الطور الثالث من تاريخهم المبكر الذي دام نحوا من عقدين من الزمن عقب نكبتهم في دمشق عام 1129، نجحوا في الحصول على شبكة من القلاع في جبل البهراء، جبل أنصارية الحديث الكائن بين مدينة حماه وساحل البحر المتوسط. وفي السياق نفسه تطرق المؤلف إلى الفترة الزمنية التي بدأ فيها المغول في إكمال فتوحاتهم في غربي آسيا حيث كانت أهدافهم الأساسية هي تدمير الدولة الإسماعيلية في آلموت والخلافة العباسية، وهما هدفان تحققا بفعالية ووحشية عامي 1256 و1258 على التوالي، وهكذا تم تهجير الإسماعيليين في فارس من تجمعاتهم التقليدية في القلاع عقب الغزوات المغولية. واضطر الناجون من المذابح المغولية للعيش ضمن مجموعات صغيرة سرية في مناطق نائية في حين هاجر العديد منهم إلى آسيا الوسطى والهند، وهكذا فقد الإسماعيليون النزاريون في تلك الفترة وبشكل دائم بروزهم السياسي وحافظوا على بقائهم أقلية دينية غامضة. وعلى الرغم من نجاة الإسماعيليون في سوريا من النكبة المغولية لكنهم فقدوا استقلالهم السياسي ليخضعوا للمماليك الذين كانوا يؤسسون حكمهم في سوريا ومصر خلفا للأمويين.
يشير فرهاد دفتري إلى تاريخ الكتابات الإسماعيلية التي بلغت ارتقاء خاصا ومدهشا، إلا أن الإسماعيليين قد تعرضوا خلال تاريخهم الطويل وبشكل متكرر للإتهام بأنواع شتى من الممارسات والتعاليم الهرطقية إضافة إلى جملة من الأساطير والتشويهات المتزامنة التي أشيعت عنهم سببها أنهم الجناح الأكثر ثورية للشيعية، بالإضافة غلى الأجندة السياسية ـ الدينية التي تهدف إلى اقتلاع العباسيين واستعادة الخلافة إلى خط الأئمة العلويين.
المؤلف في سطور
الدكتور فرهاد دفتري تعلم في إيران وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في بيركلي في عام 1971، حيث شغل مناصب أكاديمية مختلفة، ومنذ عام 1988 انضم إلى معهد الدراسات الإسماعيلية حيث يشغل حالياً منصب القائم بأعمال الإدارة ومدير قسم البحث الأكاديمي والمنشورات. ويعمل الدكتور دفتري كمحررمستشار تحرير لموسوعة ايرانيكا وعضو في الهيئة الاستشارية لموسوعة الاسلام (الإصدار الثالث). كما يعمل أيضاً كمحرر عام لسلسلة التراث الاسماعيلي وسلسلة النصوص والترجمات الإسماعيلية. صدر للدكتور دفتري الخبير بالدراسات الاسماعيلية عدة كتب العديد في هذا المجال منها الاسماعيليون تاريخهم وعقائدهم، خرافات الحشاشين وأساطيرالإسماعيليين، مختصر تاريخ الاسماعيليين، الأدب الاسماعيلي، كما قام بتحرير كتاب التاريخ والفكر الاسماعيلي الوسيط، وكتاب التقاليد الفكرية في الإسلام.